الطاقات المتجددة في الجزائر

10:33 ص Unknown 0 تعليقات

أدت الأزمات الاقتصادية المتتالية بالكثير من البلدان الى تغيير سياساتها الاستراتيجية في شقها الاقتصادي، ولعل أهم ميدان مسّته رياح التغيير هو الطاقة - التي تعد محرّك الاقتصاد العالمي-, فأكثر تلك البلدان اما من كبار المنتجين كأمريكا و روسيا, أو من كبار المستهلكين للطاقة كالصين, اليابان, الاتحاد الأوروبي و أمريكا. توجهت لما يسمّى بالانتقال الطاقوي, أي أنها تحضر لما بعد الطاقات الأحفورية (بترول, غاز و مشتقاتهما), وتعتمد على تفعيل واستغلال الطاقات البديلة و المتجددة (الطاقة الشمسية, طاقة الرياح, طاقة المياه, طاقة المادة الحيوية, الطاقة الحرارية الباطنية, وطاقة الهيدروجين). لكن المشكلة أن بعضا من هذه الطاقات لا يمكن استخدامها الاّ في أماكن معينة, و للأسف أو بالأحرى لحسن الحظ أن جلّها يمكن استغلالها في الجزء الجنوبي للكرة الأرضية, أي الدول النامية, ومنها الجزائر.

تعتبر الجزائر من الدول القليلة في العالم التي تتوفر على جل مصادر الطاقة, التقليدية منها و المتجددة, فاذا كانت الطاقة الشمسية الكهروضوئيةPhotovoltaics يمكن استغلالها في كل مكان, فانّ الطاقة الشمسية المركزة Concentrated Solar Powerلا تستغَل الّا في الصحراء, و الجزائر أكثر بلدان العالم تشمُسًّا (أي استقبالا للشمس), بمعدّل أكثر من 3000 ساعة تَشَمُس سنويا, ويكفي أنّ دراسة للوكالة الفضائية الألمانيةDLR أثبتت أن 1%من مساحة الجزائر يلبي الطلب العالمي من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية المركزة, وفي هذا الصدد بُرْمج أكبر مشروع طاقوي في تاريخ البشرية لاستغلال الطاقات المتجددة بأنواعها في الصحراء الكبرى, حيث حازت الجزائر النصيب الأكبر منه, سمي مشروع ديزرتك Desertec: وهو مشروع ألماني رصِدت له أغلفة مالية بملايير الدولارات, لكن الرفض الجزائري جعل المشروع في مدّ و جزر لحد الآن,_ ما يحز في النفس أنه لو كان مشروعا فرنسيا لَلَقِي القبول دون اثبات نجاعته _. المشروع الوحيد لطاقة التركيز الشمسي في الجزائرهو المحطة الهجينة غاز-شمس في حاسي الرمل بطاقة انتاج 150 ميغاوات تستغلها عملاقة مجالها    Abengoaلصالح سوناطراك.

وفي مجال الطاقة الشمسية الكهروضوئية التي تستخدم الخلايا الشمسية المصنوعة من السليسيوم, تم مؤخرا اكتشاف مخزون منجمي بملايين الأطنان من هذه المادة في مدينة سيق في معسكر, و الجدير بالذكر أن السليسيوم من أغلى المعادن, حيث يتعدى سعر السبيكة الواحدة 400 دولار في السوق العالمية, كما أن صناعة الخلايا الشمسية متحكم فيها محليا, اذ أن شركتي أيني ENIE  و كوندورCondor تصنع الأنظمة الكهروضوئية.

كما تعتبر الجزائر من البلدان القليلة التي يقدّر معدّل سرعة الرياح فيها 4 مترفي الثانية, و هذه السرعة مثالية لتدوير التوربينات الريحيّة, كما أن هذه السرعة ترتفع في منطقة الهضاب العليا حسب دراسة جزائرية, حيث صنّفت مناطق أدرار, المشرية, العريشة بتلمسان كمواقع امتياز لاستغلال طاقة الرياح, ثم أن الشريط الساحلي الجزائري بطوله يمكن استغلاله أيضا.

الطاقة الحيوية أو ما يعرف بالكتلة الحيوية Biomass, التي يمكن تحويلها الى طاقة أو غازات حيوية, يمكن استغلالها محليا, نظرا لكثرة النفايات الزراعية, الحيوانية و الصناعية التي تعتبر المادة الأولية لهذه الطاقة, خاصة بوجود تجارب محلية في هذا المجال, اذ قام مهندس بإنتاج الوقود الحيوي Biofuel من نوى التمور, و آخر من الزيتون, كما قام طالبا ميكانيكا من جامعة تلمسان باستخلاص الغاز الحيوي  Biogas من مياه الصرف الصحي, كما أن عملية الردم التقني للنفايات المنزلية يمكن استغلالها لاستخلاص وقود حيوي ذو خصائص كيميائية فريدة.

البحر المتوسط و عديد السدود الضخمة، يمكنها ان تكون حجر أساس لتوليد الكهرباء من الطاقة الحركية للمياه Hydroelectricity ، رغم غلاء هذه التقنيات الا أنه يمكن بناء محطة نموذجية تكون في هذا المجال. وعلى غرار فنلندا التي تنتج معظم احتياجاتها الطاقوية من المحطات الجيوحرارية Geothermy، الجزائر أيضا تتوفر على طاقة حرارية باطنية كبيرة، تتشكل خاصة من المحطات الحرارية والحمامات التي تستطيع لعب دور هام في التدفئة و انتاج الكهرباء.

هذه المؤهلات كلها يمكن أن تجعل من الجزائر أكبر مستغل ومنتج  للطاقة البديلة في العالم، حيث يمكن تنويع الصادرات خارج المحروقات، و وضع موطأ قدم لاستراتيجية بعيدة الأمد تعتمد على الانتقال الطاقوي و اقتصاد المعرفة، في عالم ستكون فيه الحرب القادمة حرب مياه لا حرب طاقة.

A.BELHADJ